هبطت مؤشرات أسعار الدولار والعملات الصعبة في السوق السوداء بمصر، متأثرة بحملة مكثفة تقودها الحكومة المصرية، على الجبهات الأمنية والإعلامية وغيرها، أدت إلى انخفاض شديد في سعر الصرف الدولار خلال الـ 72 ساعة الماضية، لكنها لم تنجح في وقف ارتفاع أسعار السلع.
في التفاصيل، يشير الخبراء إلى أن تذبذب سعر الدولار في السوق الموازية، على مدار الساعة، يرجع إلى "ضغوط غير منطقية" تمارس على أسواق تداول العملة الصعبة، خارج الدوائر الرسمية، تأتي على رأسها الحملات الأمنية التي أطلقتها الحكومة للقبض على تجار العملة والمتعاملين بها خارج البنوك، وأسفرت عن ضبط عشرات الحالات بمبالغ بسيطة في سوق هائلة اتسع حجمها خلال العام الماضي ليصل إلى 10 مليارات دولار.
وأكد ثلاثة خبراء اقتصاد نقلت عنهم صحيفة "العربي الجديد" أنّ الحكومة تدير حرباً نفسية واسعة، منذ منتصف الأسبوع الماضي، على المتعاملين في الدولار خارج السوق الرسمية وتجار الذهب والسلع الرئيسية الذين يحددون الأسعار وفقاً لقيمة الدولار في السوق الموازية، بقصد خفض سعر الدولار فيها، إلى مستوى أقل من 50 جنيهاً.
وتشعل أزمة الدولار وتصاعد الغلاء الغضب بين المصريين، وتَظهر جلية على وسائل التواصل الاجتماعي، يقابلها حملات إلكترونية وأخرى على وسائل الإعلام التي تديرها الأجهزة الأمنية، تلقي باللائمة على تجار العملة والذهب وجهات أخرى في الخارج، إذ يدعي الإعلام أن هذه الجهات تستهدف الوقيعة بين الحكومة والشعب، ودفع الناس إلى التظاهر والفوضى، بينما تظل الحكومة عاجزة عن مواجهة فعالة لأزمة متصاعدة منذ أعوام.
ما هو السعر الذي تستهدف الحكومة خفض الدولار إليه؟
يشير الخبراء إلى رغبة الحكومة في توجيه سعر الدولار في السوق الموازية عند مستوى 45 جنيهاً، خلال أيام، لتتمكن من تنفيذ خطة التعويم الجديد التي توصلت إليها أخيراً مع صندوق النقد الدولي.
وقد ذكر محلل مالي للصحيفة أنّ الحكومة ستواصل حربها على تبادل الدولار وتجار سبائك الذهب، لدفع حاملي الدولار إلى التخلّص منه عبر القنوات الرسمية، عندما يصل إلى مرحلة التعادل التي تراها مناسبة لإجراء التعويم الجديد، خلال الأيام المقبلة.
وقال خبير التمويل والاستثمار "وائل النحاس" إنّ تأخير الحكومة لقرار التعويم مع عدم قدرتها على توفير الدولار بالبنوك، يجعل الأمر يزداد سوءًا.
ويحذر "النحاس" من إفراط الحكومة والبنك المركزي بالتوجه نحو سياسة التشدد النقدي التي تعالج عبر سيناريو متكرر يعتمد على تعويم للجنيه يعقبه زيادة في الفائدة بالبنوك، دون تدبير موارد من النقد الأجنبي ناتجة عن زيادة الإنتاج والصادرات، وليس مزيداً من القروض، التي تحمّل الموازنة العامة أعباء هائلة.
وتعاني مصر ارتفاعاً حاداً في الديون الأجنبية بلغت نحو 164.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، وارتفاع فوائد أقساط الديون إلى 42 مليار دولار لعام 2024، وعجز بين الصادرات والواردات يبلغ 40 مليار دولار، يقابله نقص حاد في العملة الصعبة، مع تراجع بنحو 10 مليارات دولار من تحويلات المصريين في الخارج.
أسعار السلع في الأسواق المصرية تلتهب:
في مشهد يعكس اضطراب الأسواق، ارتفعت أسعار جميع السلع الأساسية، الغذائية والاستهلاكية والمعمرة، بنسب تصل إلى 30%، اعتباراً من بداية فبراير/ شباط الجاري.
وفرضت شركات الأغذية والموردون قوائم أسعار بيع الأجبان والزيوت واللحوم والدواجن، حيث فوجئ المستهلكون بزيادة أسعار طبق البيض من 130 جنيهاً إلى 150 جنيهاً للجملة ليصل إلى الجمهور ما بين 165 و174 جنيهاً.
وزادت أسعار الدواجن من 80 جنيهاً إلى 105 جنيهات، لتصل إلى 130 جنيهاً للدواجن البلدي.
ويتوقع رئيس شعبة الدواجن "عبد العزير السيد"، ارتفاعاً جديداً بأسعار اللحوم البيضاء والدواجن، والبيض بنسبة 15%، قبل شهر رمضان، الذي يحلّ في مارس/ آذار المقبل.
ويشير "السيد"، في تصريحات صحافية، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وجميع مستلزمات الإنتاج، من الذرة وفول الصويا والأعلاف، والأدوية بالإضافة إلى زيادة أسعار الغاز والكهرباء والمياه التي فرضتها الحكومة مع فواتير يناير الماضي.
وزادت أسعار اللحوم البلدية من 360 جنيهاً إلى 400 جنيه، لتصل في بعض المناطق المتوسطة إلى ما بين 440 و500 جنيه للكيلو.
وتوقع نائب رئيس الشعبة هيثم عبد الباسط، أن تباع اللحوم البلدية بما يزيد عن 500 جنيه في أنحاء البلاد، خلال شهر رمضان، مع وجود عجز كبير في الإنتاج، وكثرة في الاستهلاك بنحو ضعف الكمية.
كما ارتفعت أسعار الدقيق بنسبة 25%، أدت إلى زيادة سعر الخبز خارج دائرة الدعم التمويني، مع خفض وزنه من مستوى 70 غراماً إلى 40 غراماً.
وزادت أسعار الأكلات الشعبية وعلى رأسها الفول وطبق الكشري، بنحو 15% متأثرة بزيادة أسعار البقوليات كالعدس والفاصوليا والفول المدمس المستورد بنسبة 90% من الخارج.
كما ارتفعت أسعار معدات الكمبيوتر والسلع المعمرة بجميع أنواعها بنسبة تصل إلى 25%، مع اختفاء كثير من الأصناف وقطع الغيار اللازمة لها، بالتوازي مع زيادة أسعار السيارات ومستلزماتها.
ويرجع التجار الزيادة إلى ارتفاع سعر الدولار، وتقييمهم للأسعار الجديدة، وفقاً لسعر الدولار عند 72 جنيهاً، الذي تداولته السوق الموازية قبيل بداية فبراير الجاري.
ويؤكد التجار أن تراجع الدولار والعملات الصعبة على رأسها الريال السعودي واليورو، لن يوقف حالة الغلاء السائدة حالياً.
ويراهن التجار على لجوء البنك المركزي إلى تعويم الجنيه، مع التزام الحكومة بتوفير الدولار، للموردين والمصنعين، لشراء مستلزمات الإنتاج من الخارج، بما يمكنهم من السيطرة على موجات الغلاء الفاحش السائدة في الأسواق.
ووعدت مؤسسة الرئاسة في إبريل/ نيسان الماضي، بنهاية سريعة لأزمة الدولار في إطار رغبتها في وقف موجات الغلاء التي تدفع بملايين الأسر نحو فقر مدقع.
وكرر الإعلام الرسمي الوعود نفسها، على ألسنة شخصيات محسوبة على السلطة، مؤكدين أن الدولار لن يكون له قيمة في المرحلة المقبلة، ناصحين من لديه الدولار بأن يتخلص منه، قبل أن يفقد قيمته للأبد مقابل الجنيه.