عودة تدريجية لسوق الدولار السوداء في مصر وسط حالة تشاؤم بالأوساط الاقتصادية

17/08/2024

عادت سوق الدولار السوداء في مصر بشكل أخف مما كانت عليه قبل التعويم ولكن بتسارع تدريجي، حيث شهد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ارتفاعاً عن الأسعار المحددة بالبنك المركزي والبنوك العامة والخاصة، ووصل حتى 50.60 جنيهًا للدولار الواحد.

ذلك بينما يتجه الدولار إلى الضغط على الجنيه، في رحلة صعود جديدة، وسط توقعات بارتفاع قيمته تدريجياً بالسوق المصرفية عند حدود متفائلة، وقد تسبب الضغط المتزايد على طلب الدولار من البنوك، لسداد مستحقات أصحاب الأموال الساخنة خلال الأيام الأخيرة، واستيراد مستلزمات الإنتاج والسلع الحيوية من الخارج، في شح العرض من النقد الأجنبي، بما دفع طالبي الدولار من الشركات والموردين إلى البحث عنه عبر القنوات غير الرسمية.

سبب انخفاض الجنيه المصري مقابل الدولار:

يؤكد الخبراء أن العودة التدريجية للسوق السوداء للعملة ترجع إلى الضغوط القوية التي يتعرض لها الجنيه، على مدار أسبوعين، جراء تمويل البنوك عمليات خروج الأموال الساخنة بقيمة أربعة مليارات دولار، بحثاً عن ملاذ آمن، في ظل تصاعد حالة الحرب بالمنطقة، وعدم خفض البنك الفيدرالي الأميركي معدل الفائدة على الدولار، وارتفاع أسعار الذهب بالبورصات العالمية والصاغة، والهزة الأخيرة التي تعرضت لها أسواق المال العالمية.

هذا وقد أرجع رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي"، بيع المستثمرين الأجانب ما بين 7% و8% من أذون الخزانة والسندات بالجنيه الخميس الماضي، إلى تصاعد المشهد السياسي بالمنطقة وحالة الاضطراب والتراجعات الحادة، التي شهدتها الأسواق العالمية، مؤكداً التزام الحكومة بسعر صرف مرن، ووضع الأموال الساخنة بعيدة عن الاحتياطات الدولية.

وجاء ارتفاع الدولار متزامناً مع ارتفاع سعر العائد على أذون الخزانة الحكومية لأول مرة منذ تحرير سعر الصرف 6 مارس/ آذار الماضي، حيث أعلن البنك المركزي، الاثنين الماضي، عن بيع أذون خزانة لأجل 91 و182 و273 و364 يوماً بمعدل فائدة يصل إلى 29.03%، بالتزامن مع موافقة وزارة المالية على عرض أذون خزانة، بمعدل فائدة وصلت إلى 28.33%. أتت الزيادة الجديدة على أسعار الفائدة على أذون الخزانة في إطار التزام حكومي بترك سعر الصرف يتغير وفقاً آليات العرض والطلب.

التوترات الجيوسياسية تلعب دورها في الساحة الاقتصادية المصرية:

قال الخبير المصرفي "محمد بدرة" لصحيفة "العربي الجديد" إن الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد المصري، جراء حالة التوتر الجيوسياسي، والتي تدفع إلى خروج الأموال الساخنة بكميات كبيرة من البنوك، تقدر بنحو أربعة مليارات دولار حتى الآن، جعلت البنك المركزي يتجه إلى رفع سعر الفائدة على أذون الخزانة والسندات، مبيناً أن تلك الضغوط أدت إلى خفض الجنيه مقابل الدولار والعملات الرئيسية، ظهرت بشدة خلال الأسبوع الحالي.

ويؤيد "بدرة" توجه المركزي إلى رفع سعر الفائدة بعد خفض قيمة الجنيه، مؤكداً أن تلك التحركات تضمن ألا يستفيد أصحاب الأموال الساخنة مرتين عند الخروج من السوق المحلية، بناء على ارتفاع سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، مع الحصول على عوائد الفائدة المرتفعة.

ويصف "بدرة" اتفاق الحكومة مع صندوق النقد على تحرير سعر الصرف وإطلاق آليات السوق لتحديد قيمة الجنيه، بأن ظاهره العذاب، المترتب على تراجع قيمة الجنيه، بينما باطنه الرحمة، حيث يضمن عدم تحرك الأموال الساخنة من السوق المحلية بسرعة، رغبة في الحفاظ على الأرباح التي يجنونها من عوائد الأسهم والسندات وأذون الخزانة، بينما يعزز قيمة الجنيه على المدى المتوسط والبعيد.

ويحذر بدرة البنك المركزي من التدخل في سعر الصرف، والتوجه نحو دعم الجنيه، مقابل العملات الأخرى، الأمر الذي يهدر مليارات الدولار التي حصلت عليها الحكومة من عوائد بيع الأصول العامة، وتحويلات المصريين للخارج، والتي تذهب عوائدها إلى المستثمرين بالأموال الساخنة وحملة الدولار، مشيراً إلى ارتكاب البنك المركزي تلك المخالفة ثلاث مرات، منذ عام 2016، أهدرت مليارات الدولار من الاحتياطي النقدي.

يقدر الخبير المصرفي حجم التدفقات المالية الأجنبية في أدوات الدين الحكومي، بنحو 35 مليار دولار، بينما ترصد مؤسسات مالية دولية دخول استثمارات في أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل ما بين 35 ملياراً إلى 40 مليار دولار، عدا حصيلة بيع أرض مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي بدولة الإمارات، بقيمة 35 مليار دولار.

ويشير الخبراء إلى التأثير السلبي الذي تركه انهيار أسواق الأسهم في البورصات الدولية، بداية أغسطس/ آب الجاري، وتسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصاعد حالة الحرب بين إيران وحزب الله والاحتلال الإسرائيلي، في زيادة حالة التوتر، التي تشهدها أسواق المال، ونشر حالة من الضبابية تدفع إلى تذبذب التعاملات بالبورصة، وارتفاع بأسعار السلع، خاصة المرتبطة بسلاسل التوريد وتتطلب كميات كبيرة من الدولار.

هذا وقد رصدت مؤسسات مالية قيام البنك المركزي بتثبيت سعر الصرف، لكبح جماح الدولار خلال شهري إبريل/ نيسان الماضي وأغسطس/ آب الجاري، حيث عمل على استقرار الدولار عند 49.20 جنيهاً، في مخالفة لتعهداته المسبقة مع صندوق النقد التي تلزمه بإطلاق حرية سعر الصرف، بعد التخفيض الأخير للجنيه في 6 مارس 2024، بنسبة 40%، واكبتها زيادة سعر الفائدة بنحو 6% دفعة واحدة، لتصل إلى 27.25% لاستعادة زخم الأموال الساخنة، على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، والاستفادة من العوائد المرتفعة.

وتتصدر مصر قائمة أكبر خمس دول بسوق أسعار الفائدة عالمياً، مستهدفة جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تُضخ في شراء أذون وسندات مرتبطة بالديون الحكومية وفق تقارير دولية.

شارك رأيك بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *