تنازلات إضافية وشروط أصعب ينتظرها صندوق النقد لاستمرار إقراض مصر

31/08/2024

فاجأ صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية بتأجيل وصول بعثته الرابعة إلى القاهرة،من 15 سبتمبر إلى منتصف أكتوبر المقبل، بما يحول دون صرف مبالغ في حدود الملياري دولار، تنتظر البلاد وصولها، لمواجهة أزمة دولارية مرتقبة بسبب التزام مصر بسداد ديون خارجية كبيرة قبل نهاية العام.

وقد أرجأ الصندوق وصول بعثة خاصة لإتمام المراجعة الرابعة، لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وفق ما أعلنت إدارة المؤسسة المالية الدولية في تقرير مفاجئ، حول نتائج المراجعة الثالثة التي اعتمدتها في 29 يوليو/تموز الماضي، وأسفرت حينها عن الإفراج عن 820 مليون دولار من قرض متفق عليه بقيمة 8 مليارات دولار، فضلاً عن مطالبة الحكومة بقرض تكميلي آخر من صندوق الصلابة والاستدامة التابع للمؤسسة المالية الدولية يبلغ 1.2 مليار دولار.

ماذا يريد صندوق النقد من الحكومة المصرية؟

تكشف وثيقة مجلس إدارة الصندوق، تأجيل الصندوق مطالبة الحكومة برفع أسعار الطاقة والمحروقات بصفة دورية كل 3 أشهر، بشرط التزامها بوقف دعم الوقود تماماً بحلول ديسمبر/كانون الأول 2025.

وأظهرت الوثيقة تقديم الحكومة بتشكيلها الحالي والسابقة، تعهدات لمجلس إدارة الصندوق، برفع أسعار المحروقات، لتصل إلى مستوى التكلفة، ووقف الدعم تماماً لكافة المنتجات البترولية بنهاية العام المقبل، والتي تقدر في الموازنة العامة بنحو 155 مليار جنيه (3.18 مليارات دولار)، بما يوفر لهيئة البترول ما بين 10 إلى 11 مليار جنيه شهرياً.

وتبين الوثيقة اعتراض خبراء الصندوق على عدم التزام الحكومة بتعهداتها المكتوبة، التي تؤكد فيها التزام الحكومة بخفض الدعم عن السلع التموينية، وزيادة الوعاء الضريبي، الذي يخضع له نحو 22% من تعداد المواطنين، ورفع أسعار الوقود والتوجه نحو الدعم العيني، وبدء تنفيذه عام 2025، على نحو 11 مليون أسرة، تراها الحكومة مؤهلة لبرامج التحويلات النقدية، مع تنفيذها بموازنة 2024-2025 الحالية (بدأت في الأول من يوليو/تموز)، تضم نحو 55 مليون نسمة، بما يعني إزالة نحو 20 مليون مواطن من قائمة الدعم العيني ممن يحصلون على الخبز المدعم والسلع التموينية.

وأشارت الوثيقة إلى أن الحكومة لم تنته من خطة خفض متأخرات الهيئة العامة للبترول، بما يتطلب النظر في فرض شروط أقوى لتحسين الوضع المالي للهيئة، فقد فشلت في التزامها بتخفيض تلك المتأخرات بمقدار 150 مليار جنيه بمدة انتهت في يوليو/تموز، وبنحو 100 مليار جنيه كل سنة مالية، لتصفير الديون، بحلول عام 2027، مبينة أن الهيئة العامة للبترول تسبب مخاطر مالية كبيرة على قطاع الموازنة، حيث تواجه مشكلات كبيرة في السيولة، وتشكل الضمانات الصادرة نيابة عن الهيئة نصف الضمانات الحكومية، حيث أدت سلسلة من الصدمات إلى تقويض مركزها المالي، والمتعلقة بنقص النقد الأجنبي وانكماش الإنتاج المحلي للنفط والغاز.

ولفتت إلى أن مشكلة المتأخرات مستحقة السداد على هيئة البترول تتفاقم مع زيادة قيمة الدعم المقدم لقطاع الكهرباء، والتكيف البطيء في بيع الوقود بالتجزئة وانخفاض سعر الصرف، حيث تمتلك الهيئة أصولاً مدرّة للجنيه المصري بينما التزاماتها مقومة بالدولار، بما يبقي تدفقاتها النقدية التشغيلية سلبية.

وتطرّق صندوق النقد إلى تراكم متأخرات المدفوعات بالعملات الأجنبية لشركات النفط، بنحو متوقع عند 3.8 مليارات دولار العام الجاري، في وقت اشترطت فيه البنوك المحلية، ضمانات حكومية على جميع القروض المقدمة للهيئة، ما رفع قيمة الضمانات الصادرة لصالح الهيئة لتصل إلى نحو 5% من الناتج المحلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ورصدت الوثيقة اعتراض خبراء الصندوق على عدم رسملة البنك المركزي بطريقة متكاملة وفعالة، تنتهي في أغسطس/ آب الماضي، وعدم التزامه بنشر تقرير التدقيق المركزي لحساباته، وخطة إعادة الرسملة، تأخذ في الاعتبار استراتيجية الحكومة لإدارة الدين والحاجة إلى حماية الميزانية العمومية للبنك المركزي، وتفويضه بتحقيق استقرار الأسعار.

وأضافت إدارة الصندوق طلباً اعتبرته مرجعاً هيكلياً جديداً في الاتفاق الموقع بين الحكومة والصندوق، يتيح لإدارة الصندوق مشاركة البنك المركزي في اختيار شركة دولية تتولى إجراء تقييم مستقل للسياسات والإجراءات والضوابط الخاصة بالبنوك المملوكة للدولة، تستهدف حوكمة قوية لحماية الصحة المالية للنظام المصرفي وضمان وجود آلية قوية لنقل السياسات النقدية قائمة على السوق، وتعزيز المنافسة من خلال تكافؤ الفرص مع البنوك الخاصة.

كما طالب الصندوق بتعديل قانون الجهاز المركزي للمحاسبات، بدلاً من الاكتفاء بإصدار مرسوم رئاسي بذلك، لضمان التزامه بمراجعة الحسابات الحكومية والهيئات العامة، وتقديم مراجعة ربع سنوية، حول مراجعة الاستثمارات العامة، لمعرفة مدى التزام الحكومة بالسقوف المحددة للصرف من الموازنة، وأداء ميزانيات 59 هيئة اقتصادية عامة.

وطلب الصندوق تعديل قانون ضريبة القيمة المضافة، بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لخفض الإعفاءات الضريبية الممنوحة لنحو 19 سلعة وخدمة تشمل 7 سلع وخدمات تعليمية، و5 سلع وخدمات صحية، و3 معاملات أراض وإسكان، و5 معاملات تشمل النفط الخام والغاز الطبيعي والذهب والفضة والكهرباء و11 خدمة أخرى، من ضريبة القيمة المضافة من أصل 58 سلعة وخدمة خاضعة للضريبة، والتي تحصل عليها جهات سيادية وحكومية، بما يساهم في زيادة الإيرادات العامة بنسبة 3% من الناتج الإجمالي، خلال فترة البرنامج الممتدة إلى عام 2027.

وشدد على سرعة إنهاء الحكومة لقانون يعتمده البرلمان بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وقبل نهاية العام، لمنح إجراءات تنفيذ برنامج سياسة ملكية الدولة وبيع الأصول العامة قوةَ القانون ومتانته، يصلح كمرتكز أساسي لإصلاح البرنامج في المستقبل، بالتوازي مع إنشاء وحدة في مكتب رئيس الوزراء تتمتع بصلاحيات وضع مبادئ توجيهية لإدارة الشركات المملوكة للدولة، وتسهيل سحب الاستثمارات وعمل مؤشر لرصد مبيعات الأصول العامة، وفق جداول زمنية محددة، تضع خلال فترة المراجعة المقبلة لبعثة الصندوق، لمتابعة التغيرات في حصة استثمارات وائتمان القطاع الخاص بالنسبة إلى إجمالي الاستثمار العام، وتخارج الحكومة من الشركات المملوكة للدولة العاملة في القطاعات غير الاستراتيجية، على النحو المحدد في إجراءات التشغيل القياسية.

ودعا الصندوق الحكومة إلى الالتزام بنظام مرن لسعر صرف أجنبي متحرر لتجنب الاختلالات الخارجية في المستقبل، وخفض معدلات التضخم، وتحقيق الضبط المالي، بما يضمن أن يتجه الدين العام نحو مسار هبوطي، وعدم تثبط آفاق النمو، للحد من المخاطر الكبيرة الناجمة عن الصراعات الإقليمية، وحالة عدم اليقين التي تواجه الاقتصاد، بسبب تعطل حركة التجارة في البحر الأحمر. وتبلغ قيمة القروض المحلية والأجنبية واجبة السداد خلال العام المالي الجاري، نحو 1.6 تريليون جنيه، وفقاً لبيانات وزارة المالية.

وفي ظل كل ذلك اعتبر برلمانيون خارج التحالف الداعم للحكومة، أن إدارة الملف الاقتصادي في الدولة تسير خلف صندوق النقد، الذي يهتم عادة بضبط إيرادات الدولة، ليضمن سداد مستحقات الجهات الدائنة، بما يجعله يدفع إلى وقف الدعم ورفع أسعار السلع والخدمات، بما يسبب موجات غلاء متتالية تزيد الشعوب فقراً، وتوجد حالة من الاضطراب الاجتماعي، تهدد استقرار البلاد.

شارك رأيك بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *