يعيش الاقتصاد المصري مؤخرًا أيامًا صعبة، مع التوترات الجيوسياسية في المنقطة، وأزمة الغاز، وتدهور سعر صرف الجنيه المصري إلى مستويات 48 جنيهًا للدولار الواحد، مما تسبب بحالة من الركود والتأزم في الأسواق.
وبالفعل، فقد أرجع الدكتور "محمد سعد الدين"، نائب رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات زيادة الركود بالشركات إلى عدم توافر النقد الأجنبي، والسيولة لدى البنوك التي يحتاجها المستثمرون والموردون لشراء مستلزمات الإنتاج، مؤكدا لصحيفة "العربي الجديد" أن النقص في الدولار والعملة الصعبة أصبح حادا للغاية.
وقال إن "الأزمة ستظل قائمة خلال الفترة المقبلة، طالما نحتاج الدولار لزيادة الواردات"، مشيرا إلى أن المواجهة تتطلب حلولا جماعية لخفض الواردات ودعم الصادرات.
وأضاف "سعد الدين" أن الحكومة عليها أن تعمل على زيادة معدلات الإنتاج بكافة السبل، لتوفير احتياجات المواطنين من كافة السلع، وقصر الاستيراد على الحاجات الأساسية للدولة ومستلزمات الإنتاج بالمصانع، والاستجابة للمطالب الشعبية الحالية بدعم المنتج المصري، التي جاءت في إطار مقاطعة الجهات الداعمة للعدوان على غزة، والاستغناء عن كافة الأنشطة التي تمثل رفاهية غير مطلوبة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
وأشار إلى أن دعم المنتج المصري، سيقلص حجم الواردات بنسب عالية، بشرط أن يأتي في إطار عمل جماعي يستهدف الاستغناء عن أي سلع يمكن إنتاجها محليا، وأن تخصص صناعات محددة لدعم الصادرات التي تحتاجها الأسواق الدولية.
وأشار خبراء إلى مخاوف المستثمرين من التدهور الشديد المستمر بقيمة الجنيه، للشهر العشرين على التوالي، حيث تراجع من مستوى 15.6 للدولار منذ فبراير 2022 إلى نحو 31 جنيهاً في البنوك الرسمية، بينما تجاوز سعره 48 جنيها بالسوق السوداء، مع ندرة وجوده بالبنوك، وصعوبة تدبيره محليا.
ويعاني المستثمرون من تعدد سعر الصرف في السوق المحلية، بما يحملهم تكاليف مدفوعات غير منظورة، في تدبير العملة، ويصعب رصدها في حسابات الشركات رسميا، بما يحملهم المزيد من الخسائر شهريا.
ورفعت الحكومة سعر البنزين بنسبة 14% الجمعة الماضية، مع وجود خطط لرفع أسعار الوقود والطاقة والنقل مطلع العام المقبل، في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقضي بتحرير سعر الصرف وأسعار الطاقة والوقود، بما يزيد من الأعباء المتوقعة على القطاعات الصناعية والإنتاجية.
وأكد الدكتور "سعد الدين" أنه رغم تراجع كميات الغاز المحددة لمصانع البتروكيماويات والأسمدة والألومنيوم والحديد إلا إن امدادات الكهرباء مازالت مستمرة عند حدودها التعاقدية، مشيرا إلى أن السعر سيكون عنصرا حاسما لدى الشركات، للخروج من نفق الركود الذي تعاني منه منذ 3 سنوات.
وقد لجأت الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميا لمواجهة الشح الهائل في العملة الصعبة التي تحتاجها لتوفير 100 مليون برميل من النفط الخام المستورد خلال عام 2023-2024، المتوقع شراؤها من الخارج في الموازنة الحالية.
وأمام كل تلك المعطيات، فقد شهدت الشركات غير المنتجة للنفط في مصر زيادة حادة في تكاليف مستلزمات الإنتاج، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد وضعف العملة، مع ندرة العرض لمستلزمات الإنتاج، بما رفع متوسط أسعار المنتجات والخدمات بقوة، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في حين ارتفعت الأجور بمعدلات متواضعة، خلال نفس الفترة.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات إلى أدنى مستوى له منذ 5 أشهر في أكتوبر الماضي، في ظل استمرار التضخم وضعف النشاط الاقتصادي والأضرار بمعدلات الطلب في الاقتصاد غير المنتج للنفط. ويتوقع خبراء مواجهة البلاد صدمة انكماشية مع تراجع معدلات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وندرة العملة الصعبة مع تدهور الجنيه، وتباطؤ الاقتصاد، متأثرا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وتوابع الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.
ويؤكد الخبراء أن الخروج من حالة الركود بالشركات يتطلب تنفيذا عاجلا للمبادرة الحكومية الخاصة بدعم الصناعات المحلية، التي توقفت عن دعم الفائدة عن طريق البنك المركزي، بنقل تبعيتها من وزارة المالية أو الصناديق الخاصة، لمنح الشركات المصرية قدرة على التنفس في مواجهة الصعود الحاد بقيمة مستلزمات الإنتاج، وتوفير السيولة اللازمة للتشغيل ومواجهة أعباء التضخم.
وهنا يجب على الحكومة مطالبة البنوك بفتح أبوابها للمستثمرين، لتمويل المشروعات الجديدة والتوسعات، لتساهم في تحريك عجلة الإنتاج، وضمان تشغيل العمالة المعرضة للانخفاض، مع توقف العمل بمزيد من الشركات.