
لطالما كان "سوق البالة" في مصر هو سوق ملابس الفقراء وأصحاب الدخول المتواضعة، لكن الأمر لم يعد كذلك بعد الآن، إذ تضاعفت أسعار الملابس المستعملة المعروفة أو "البالة"، التي تعرض في أسواق الأحياء الشعبية والمتوسطة في مختلف أنحاء البلاد.
ويعزو تجار "البالة" في مصر زيادة الأسعار إلى ارتفاع قيمة الملابس المستعملة في أسواقها التقليدية بأوروبا وأستراليا والصين ودبي في الإمارات، والقفزة الهائلة التي سجلها سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري في السوق السوداء.
كل ذلك فضلا عن مضاعفة الحكومة رسوم استيراد "البالة" من 300 ألف جنيه العام الماضي (حوالي 9700 دولار) وفق السعر الرسمي إلى 750 ألف جنيه (24.25 ألف دولار) لتجديد رخصة الاستيراد سنوياً، وفرض ضريبة بقيمة 100 جنيه على كل كيلوغرام من الملابس، عدا تكاليف إصدار التصاريح الصحية والأمنية لكل صفقة.
ولم يخطر على ذهن أحد أن الملابس المستعملة، التي كانت ترسلها المنظمات الخيرية منذ سنوات قليلة مجاناً إلى الدول النامية، ومنها مصر، قد تحولت إلى صناعة واسعة، تتنافس عليها شركات دولية، لتحصل على أفضلها، بينما تأتي بالفتات إلى الأسواق المحلية.
ويعكس تمدد تجارة الملابس المستعملة، تحولات اقتصادية كبرى، شهدتها البلاد، بعد أن ظلت منحسرة في البدايات بين محلين في الوكالة التي كانت لقرون ميناء لتوريد البلح إلى العاصمة، لتتحول بعد نحو نصف قرن، إلى مركز تجارة واسعة تمثل 10% من واردات مصر من الملابس الجاهزة.
في هذا الصدد، يؤكد "رشيد عشرة"، أحد تجار "البالة" في منطقة أهرامات الجيرة، تراجع حالة الزخم التي شهدتها تجارة الملابس المستعملة، قبل عامين، لارتفاع قيمة تصاريح الاستيراد، وتحجيم أعداد حاملي بطاقات الاستيراد، وقصرها على حاملي البطاقات في مدينة بورسعيد الساحلية، شمال البلاد، وزيادة قيمة الشحن والتخليص الجمركي، وندرة الدولار، بالإضافة إلى منافسة دول كثيرة على استيراد الملابس المستعملة من بينها غانا وجنوب أفريقيا ونيجيريا والمغرب.
ويشير "رشيد" في مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد" إلى انخفاض لافت في المبيعات، حيث تأتي الأسر لشراء الضروريات من ملابس الأطفال، وقليل من احتياجات النساء، ونادراً ما يبحث الرجل عن شيء لنفسه.
ويلفت إلى أن تراجع القوة الشرائية للمواطنين دفع الناس إلى خفض النفقات إلا للضرورات التي باتت تتركز حالياً في توفير الطعام وملابس الصغار والتعليم.
ويضيف التاجر أن ركود المبيعات جعله يغلق بعض معارضه، ويركز على المنتجات المطلوبة للسوق، في ظل عدم قدرته على توفير الدولار، والخوف من تقادم السلع وركود المبيعات، وتحقيق المزيد من الخسائر.
وبينما يعرض الباعة الملابس الشتوية الثقيلة، على جوانب الطرق ومداخل المحلات، بأسعار محددة سلفاً. تبدي سيدة أربعينية تذمرها من عدم رغبة الباعة في "الفصال" (المساومة على السعر) أسوة بما كان يحدث في الماضي، فتقول للصحيفة: "نأتي للسوق مرتين، إحداهما لشراء الملابس الشتوية وأخرى للصيف، ولكن هذه المرة، الأسعار مرتفعة جداً، والأقسى أن التجار يرفضون المساومة على السعر، ويتمسكون بأسعارهم المكتوبة على كل قطعة".
وتشير السيدة إلى عدم قدرتها على تدبير حاجتها من الملابس المستعملة لكل فرد بأسرة تضم 4 أبناء، حيث يتراوح ثمن "الجاكيت" أو "البالطو" الشتوي بين 400 إلى 600 جنيه (من 13 إلى 19.5 دولارا).
بينما تؤكد أن نفس الملبس كانت تشتريه بنحو 200 جنيه العام الماضي، عدا أن بعضهم كان بواقي مصانع وليس مستعملاً، منوهة إلى انتشار سلع مخزونة وقديمة.
أسعار ملابس البالة في مصر:
يفضل التجار وضع أسعار على كافة المنتجات للهروب من الجدل المستمر مع العملاء، مع إمكانية التنازل عن بعض المبالغ في حالة شراء عدد كبير من القطع.
وتبدأ الأسعار، من مستوى 120 إلى 160 جنيها لملابس الأطفال، و110 إلى 150 جنيها لبنطال الكبار و70 إلى 180 للبلوزة النسائية، و100 إلى 250 جنيها للبنطلون الجينز نسائي ورجالي، ومن 400 إلى 600 جنيه للجاكيت الشتوي.