الاقتصاد المصري إلى أين؟ خبير إيطالي يدلي بتحليلات لافتة

01/04/2024

يتساءل البعض عن مآلات الاقتصاد المصري بعد الأحداث المحتدمة التي شهدتها مصر والمؤثرات العديدة الداخلية والخارجية التي كان لها دورٌ كبير في جعل الاقتصاد والجنيه المصري على ما هو عليه الآن. في هذا السياق يدلي بعض المحللين بآراء قد لا تعتبر متفائلة، ذلك رغم أن الحكومة استطاعت إنعاش الوضع نسبيًا بسبب التدفقات النقدية الهائلة والتعويم.

في هذا السياق، قال الخبير الجيوسياسي والاقتصادي الإيطالي "أليساندرو بوتزي" إن "التحركات المصرية الأخيرة، بما في ذلك محاولات الوساطة في صراع غزة، تهدف إلى كسب الوقت لمراجعة برنامج الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بناء على طلب صندوق النقد الدولي بإلحاح شديد، كشرط لصرف قرض بقيمة 3 مليارات دولار".

إذ توصلت مصر، خلال الشهر الماضي، إلى اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي لزيادة برنامج القرض إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد ساعات من تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، استجابة لشروط الصندوق.

الخبير الإيطالي: مصر عملاق هش ولكن استراتيجي

كتب "بوتزي"، في تحليل نشره الشهر الماضي على موقعه الإلكتروني الرسمي تحت عنوان "مصر للبيع، عملاق هش ولكنه استراتيجي"، أنّ "خبراً مثيراً طالعنا مؤخراً يفيد بأن حكومة "السيسي" قامت ببيع قطعة من مصر (رأس الحكمة) لدولة الإمارات مقابل ضخ عاجل لـ35 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في شرايين الاقتصاد المصري، الذي يعيش في خضم أزمة نقدية تعتريها مشاكل اقتصادية هيكلية، لها تأثيرات مهمة على هامش مناورتها الجيوسياسية".

وأوضح الخبير الإيطالي، عضو المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أنّ "هذا الاتفاق يأتي في وقت حرج بالنسبة لمصر، التي واجه اقتصادها عدة انتكاسات، بما في ذلك الصدمات المرتبطة بجائحة كورونا التي ألحقت أضراراً بالغة بصناعة السياحة الحيوية، وارتفاع تكاليف واردات القمح على ضوء الحرب في أوكرانيا، وتراجع إيرادات قناة السويس بسبب الصراعات الإقليمية، بما في ذلك حصار الحوثيين البحر الأحمر. كما أدت هذه العوامل إلى انخفاض تحويلات العاملين المصريين في الخارج بالعملة الأجنبية".

ولفت "بوتزي" إلى أن "استقرار مصر تضرر قبل مدة طويلة من الحرب في غزة، ما يرجع إلى عدم كفاءة الإنفاق العام، والدور المتوغل والمهيمن للجيش في الاقتصاد، والاعتماد المالي والزراعي الكبير على الخارج مع استهلاك داخلي متزايد للمحروقات، ما من شأنه إبطاء عملية تنمية الصادرات، خاصة في ظل الدين الخارجي الذي بلغ 165 مليار دولار".

وأشار إلى أن "الحكومة المصرية عمدت إلى تقليص شبكة الضمان الاجتماعي من أجل خفض الديون الهائلة والتصدي لأزمة ندرة النقد الأجنبي التي طال أمدها. وفي هذا السياق، بدا إلغاء الدعم على المحروقات والخبز على وجه الخصوص موضع خلاف، مع مزيد من الارتفاع في الأسعار نتيجة لفرض ضرائب جديدة على القيمة المضافة".

العاصمة الإدارية مجددًا:

أوضح الخبير أن مشروع تطوير العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بعد 35 كيلومترًا شرق القاهرة، والذي تشير التقديرات إلى أنه كلف الحكومة أكثر من 50 مليار دولار، كان أحد أكبر الأولويات على المستوى المحلي. والهدف المعلن للمشروع هو الحد من مشاكل الزيادة السكانية، في حين تتركز مهمة العاصمة الإدارية الجديدة "في واقع الأمر في نقل مقر ورموز سلطة الدولة من المراكز التي يتكدس فيها السكان ومعها احتمالات الاحتجاجات أو التعبئة أو الثورات، فضلاً عن الترويج للقطاع العقاري والاستحواذ على قبول النخبة في البلاد".

وأشار إلى أن إدارة مقاولات المشروع أُسندت إلى شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية المملوكة بنسبة 51% لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والنسبة المتبقية 49% مملوكة للجيش المصري، الذي لا يخضع لقيود الشفافية ذاتها المفروضة على بقية قطاعات الإنفاق العام.

وتابع أنّ "الحلفاء الخليجيين، ولا سيما الكويت والسعودية والإمارات، دعموا "السيسي"، الذي يعتبرونه عنصراً أساسياً لاستقرار الشرق الأوسط، بمساعدات إنقاذ بمليارات الدولارات. 

وفي هذا السياق، خلص بحث نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى أن إجمالي عمليات الإنقاذ الخليجية لمصر منذ الستينيات بلغ 107.9 مليارات دولار؛ 52.9% منها جاءت من السعودية"، مضيفاً أن "هذه الأخيرة قد توافق أيضًا على إجراء بعض المبادلات التجارية مع القاهرة بالعملة المحلية، ما يدعم وضع الاقتصاد الكلي للبنك المركزي المصري".

وعلى الرغم من ذلك، و"في علامة على الإحباط من المحسوبية، تعاونت دول الخليج مع صندوق النقد الدولي للدعوة إلى إعادة هيكلة الشركات المملوكة للقوات المسلحة".

ولذلك تجد مصر نفسها، وفقاً لبوتزي، "بين مطرقة صندوق النقد الدولي، الذي منح في ديسمبر/ كانون الأول 2022 قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار يُسدد خلال 46 شهرًا، ويطالب بإصلاحات في المقابل، وسندان دول الخليج التي أصبحت دائنة بمطالب متزايدة. وغيرت مصر، على مدار العقد الماضي، مواقفها الدولية لتعويض تراجع الدعم من واشنطن، وزادت علاقاتها مع روسيا والصين، وأصبحت على وجه الخصوص تعتمد أكثر على الشريكين الإقليميين: السعودية والإمارات".

ولفت إلى أن "مصر تتعاون بشكل وثيق أيضاً مع إسرائيل، من منظور عسكري واستخباري، من أجل المصلحة المشتركة في أمن منطقة سيناء الحدودية، وتنمية موارد الطاقة في إطار منتدى غاز شرق البحر المتوسط (EMGF).

واليوم - برأي الخبير - فإن التعاون الوثيق بين الحكومة المصرية وإسرائيل يضعها في موقف حساس في ما يتعلق بالحرب في غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث يتوقع المصريون أن تتبنى قيادتهم موقفاً أكثر تفهماً تجاه الفلسطينيين، على الرغم من أن القاهرة لعبت دوراً حاسماً في الحفاظ على الحصار الإسرائيلي لغزة منذ عام 2007".

شارك رأيك بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *