فقاعة وفرة الغاز في مصر تنتهي... البلد تعود إلى طابور المستوردين

05/05/2024

تم استنزاف آبار الغاز في مصر بشكلٍ أسرع بكثير من المتوقع، لتتبدل الوفرة المأمولة التي تغطي الاستهلاك المحلي، وريادة البلاد بالإنتاج في منطقة شرق المتوسط، إلى عجز ولجوء مقلق إلى الاستيراد، وسط اتساع رقعة انقطاع الكهرباء.

وساهمت الشيخوخة المبكرة وجفاف الآبار، في عودة البلد الذي ظل يتظاهر بوجود وفرة لديه في الغاز خلال الفترة من 2015 إلى 2018 فقط، إلى الوقوف في طابور المستوردين، بينما تسعى الحكومة إلى تشجيع الشركات على زيادة الإنتاج، وتوفير السيولة من البنوك لسداد مستحقاتهم.

هكذا فقد غادرت آخر شحنة من الغاز المصري المسال إلى بولندا منذ أيام، بينما تستعد الشركة القابضة للغاز "إي جاس" EGas التابعة لوزارة البترول لاستقبال شحنة غاز مسال مشتراة يوم 18 مايو/أيار الجاري، في مناقصة عاجلة، أجريت في 24 إبريل/ نيسان الماضي، بنظام الدفع الفوري، وسط تحول مصر إلى مستورد للغاز الطبيعي لمواجهة الاحتياجات المحلية.

وتسعى الحكومة إلى مواجهة تزايد العجز الحاد في معدلات انقطاع التيار الكهربائي، حيث يحذر خبراء من اتساع أزمة انقطاع التيار. 

ويقدر "محمد فؤاد" البرلماني السابق وخبير اقتصاديات الطاقة، تعرض البلاد للإظلام المتقطع لمدة تصل إلى 5 ساعات يومياً في حالة عدم شراء الغاز بمعدل يصل إلى 3 شحنات شهرياً.

يأتي ذلك بينما تحصل دول غرب أوروبا المستورد الرئيسي للغاز المحلي والعالمي، على خصم بنحو 5 سنتات لكل وحدة حرارية، ستدفع مصر 15 سنتاً زيادة، على كل وحدة، لتأخرها في التحوط بالشراء المبكر لشحنات الغاز المسال لمواجهة مشكلة التراجع الحاد في الإمدادات، ما دفع الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي لمدة ساعتين بالمتوسط يومياً، اعتباراً من 16 إبريل/ نيسان الماضي، قبل حلول فصل الصيف، لتوفير ما يقرب من مليار دولار سنوياً.

الذنب على عاتق الحكومة وأولي القرار:

يرجع "فؤاد"، كما نقلت عنه صحيفة "العربي الجديد" زيادة التكلفة إلى تأخر الحكومة في قرار مواجهة أزمة الكهرباء رغم معرفتها المسبقة بتراجع إنتاجية الغاز في الآبار التابعة للشركات الدولية أو الشركات العامة التي تديرها الدولة.

ويشكل الطلب على المحروقات مصدر قلق رئيسي في أسواق الطاقة العالمية، ما يدفع إلى سباق بين الدول لتأمين أكبر قدر من إمدادات الغاز المسال في أسرع وقت ممكن، رغم ارتفاع أسعار النفط والغاز، عن الأسعار السائدة قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بما يلقي بمزيد من الضغوط على مصر، التي تعاني نقصاً حاداً في العملة الصعبة، مع تراجع بنسبة 60% من عوائد قناة السويس و30% من تحويلات المصريين في الخارج، وتدهور الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم.

وقد عجلت أزمة الغاز، بعودة انقطاعات التيار الكهربائي، عن المنازل والمصانع والشوارع، التي بشر "محمد شاكر" وزير الكهرباء، في مارس/آذار 2023، بأنها "ولت للأبد"، لكن سرعان ما تبدد ذلك بإعلان مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في 27 يوليو/تموز من العام نفسه، عودة قطع الكهرباء، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، التي تفوق قدرات التوليد بها ضعف الاستهلاك، وأنفقت عليها الدولة نحو 32 مليار دولار، خلال الفترة من 2015-2022.

ويراقب المحللون عن كثب عودة مصر لشراء الغاز من جديد، مع زيادة متوقعة في الطلب على الكهرباء بنسبة 8% سنوياً تدفع إلى زيادة باستهلاك الغاز المستخدم في توليد ما يربو على 70% من قدرات توليد مركبة بمحطات الكهرباء، تقدر بنحو 64 غيغا وات وتعطل محطتي تصدير الغاز المسال في دمياط وإدكو شمال مصر، عن العمل تماماً.

شيخوخة مبكرة لحقول الغاز":

أدى تأخر مستحقات شركات الغاز والبترول الأجنبية، مقرونة بتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة إلى خروج عدد من شركات البترول من مصر، وسط مخاوف أمنية ومالية وتوقف شركة "شيفرون" الأميركية عن استكمال أعمال الكشف في بئر "نرجس 1" الذي يبعد عدة كيلومترات عن حقل" ظهر" و60 كيلومترا عن سواحل شبه جزيرة سيناء الملاصقة لقطاع غزة.

اكتشفت "شيفرون" احتياطيا يقدر بنحو 3.5 تريليونات قدم مكعبة في بئر "نرجس" وفقا لتقرير مجلة "ميس" Mees المتخصصة في أبحاث الغاز والطاقة.

وساهمت الشيخوخة المبكرة وجفاف الآبار، في عودة البلد الذي ظل يتظاهر بوجود وفرة لديه في الغاز خلال الفترة من 2015 إلى 2018 فقط، إلى الوقوف في طابور المستوردين، منذ عامين، تفاقمت وسط انخفاض إنتاج الغاز إلى 5.5 مليارات قدم مكعبة منذ مطلع العام الجاري، بينما تصل حاجة البلاد إلى حوالى 6.3 مليارات قدم مكعبة على الأقل يومياً. ودفع تقلب تدفق الغاز إلى شكوك في جدوى إنفاق استثمارات محلية ودولية، بقيمة 27.4 مليار دولار عبر 30 مشروعاً، مع توجيه الحكومة نحو 126 مليار جنيه لمشروعات البترول والطاقة، خلال السنوات العشر الماضية.

ركزت الحكومة طاقتها المالية لتشغيل حقل غاز "ظهر" الذي وفر للبلاد نحو 40% من احتياجاتها من الغاز منذ عام 2019، لكنه سرعان ما تراجع عن معدل الذروة، التي بلغها عام 2021، من مستوى 2.74 مليار قدم مكعبة يومياً إلى مليارين فقط. وتسببت المياه المتسربة في آبار "ظهر" إلى مزيد من التراجع في الإنتاج ليصل إلى نحو مليار قدم مكعبة يومياً في إبريل/ نيسان 2023، إلى 1.2 مليار متر مكعب الشتاء الماضي، من إجمالي إنتاج للدولة، الذي يقدر بنحو 6.54 مليارات قدم مكعبة يومياً.

وسجل مركز حلول للسياسات البديلة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في دراسة فنية تراجعاً في إنتاج الغاز خلال عام 2022، إلى 64.49 مليار متر مكعب بدلاً من 67.8 مليارا عام 2021، رغم تراجع الاستهلاك من 62.17 مليار متر مكعب 2021 إلى 60.75 مليارا عام 2022. وتوقفت الحكومة عن تصدير الغاز خلال صيف 2023، لتتمكن من مواجهة الطلب المحلي، حيث انخفضت صادرات الغاز المسال من يناير/كانون الثاني حتى 9 فبراير/شباط الماضي بشدة. فقد جرى تصدير 270 ألف طن متري فقط بنسبة انخفاض 64% عن الفترة نفسها من العام الماضي، الذي تمكنت فيه الدولة من تصدير نحو 3.7 ملايين طن متري، وفقا لتحليلات وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية العالمية.

وتحولت مصر من مصدر للغاز إلى إسرائيل في صفقة "مثيرة للريبة" توفر لدولة الاحتلال 40% من احتياجاتها المحلية منذ عام 2003، إلى مستورد للغاز الإسرائيلي عام 2015، في صفقة طويلة الأمد تنتهي عام 2035، تستهدف توفير 5.81 مليارات متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر، لتسييله في المعامل المصرية وتصديره للخارج، والاستهلاك المحلي.

وقدرت شركة "بريتش بتروليم" احتياطي مصر من الغاز عام 2021 بنحو 74.13 تريليون قدم مكعبة، بما يضعها في المرتبة 17 عالمياً، والثالثة في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر، لافتة إلى أن الإنتاج بلغ 71 مليار متر مكعب سنوياً والاستهلاك 65 مليار متر مكعب، توجه 60% منها لقطاع الطاقة. وأكدت دراسات الشركة البريطانية تراجع الإنتاج إلى 67 مليار متر مكعب عام 2022.

شارك رأيك بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *