احتمالية إلغاء الدعم السلعي في مصر تدفع الخبراء للتحذير من كارثة اجتماعية

07/07/2024

انقسمت آراء الخبراء والسياسيين في مصر على إثر دعوات حكومية إلى إلغاء الدعم السلعي في مصر وتحويله إلى دعم نقدي، بينما أثار الموضوع موجة غضب لدى الأغلبية الشعبية، التي تعتبر الدعم العيني المتراجع في القيمة والكمية، هو ما تبقى ليربطها بحكومات تقبض على السلطة وفق معادلة تضمن لهم توافر الخبز وقليلا من الخدمات.

وهكذا فإن قيادات حزبية ومراكز بحثية تدعو الحكومة إلى التروّي، خشية أن يدفع النظام المقترح إلى كوارث اجتماعية، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع دخل الأفراد.

وعد رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي"، في تصريحات صحافية سابقة، الفئات الأكثر فقرا وتهميشا بأنهم سيشهدون طفرة وتحسنا ملموسا في أحوالهم المعيشية خلال الفترة المقبلة، قائلا للشعب: "لقد صبرتَ كثيرا وتحملت كثيرا، وأرجو أن تتأكد أنه مضى الكثير ولم يبق إلا القليل". 

ودعا "مدبولي" لجان الحوار الوطني إلى مناقشة قضية الدعم بين العيني والنقدي، في وقت تسرع الأجهزة الإدارية الخطى نحو إلغاء الدعم العيني. 

الانتقال إلى الدعم النقدي… الرواية الرسمية:

يسوّق الإعلام الرسمي لتغيير نظام الدعم العيني إلى نقدي، عبر وسائل الإعلام المتعددة التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية، بما يعكس توجها عاما، سيجري تنفيذه وفق رؤية مبيتة، من دون الحاجة إلى إجراء حوار مجتمعي موسع.

واعتبر الإعلام الحكومي مناقشاتهم للقضية بمثابة استشراف رؤية المجتمع حول مستقبل الدعم، بينما تدلي معظم الشخصيات بأقوال تدعم سرعة التوجه نحو الدعم النقدي.

وبدأت الحكومة المصرية التحول في عملية الدعم، عبر مد شبكة الحماية الاجتماعية للأسر المعيلة وشديدة الفقر، تحت وصاية برنامج "تكافل وكرامة".

وتحولت الحكومة إلى نظام الدعم السلعي المشروط بسقف مالي وعدد أرغفة خبز لكل فرد شهريا. وتبلغ حصة الدعم الشهري للفرد من بين 63 مليون نسمة يحصلون على الدعم السلعي، 50 جنيها لكل شخص، بحد أقصى 4 أفراد لكل أسرة، و150 رغيفا بسعر 20 قرشا للرغيف. وتصل فاتورة السلع التموينية شهريا إلى نحو 4 مليارات جنيه، حسب بيانات حكومية. 

حقيقة الأرقام الرسمية:

يشكك محللون في صحة الأرقام التي تذكرها الحكومة حول قيمة الدعم، مشيرين إلى تراجع أوزان الرغيف من 150 غراما إلى 130 غراما ليصل إلى 90 غراما رسميا، بينما ينخفض إلى نحو 65 غراما في أفران الخبز المدعم. 

ويؤكد محللون أن تكلفة رغيف الخبز بلغت أقل من جنيه في ميزانية 2023-2024، بينما يذكر رئيس الحكومة ارتفاعها إلى 125 قرشا، ليزيد من قيمة الدعم الشامل للخبز إلى 120 مليار جنيه، بينما لم تتخط 90 مليار جنيه العام الجاري. 

وفي دراسة اقتصادية، أوضح مركز سياسات بديلة في الجامعة الأميركية، وجود مشاكل جوهرية في منظومة الدعم، تجعل من التحول السريع والحصري نحو الإعانات النقدية تهديدا لقدرة الفئات الفقيرة والشرائح المتوسطة على توفير الغذاء، بما يوجب على الحكومة الإبقاء على الدعم العيني، والنظر في تطبيق الدخل الأساسي الشامل كحل جذري للفقر في مصر.

وأوضحت الدراسة المعدة من قبل نخبة من الأكاديميين والسياسيين، أن المساعدات النقدية المشروطة التي تقدمها الحكومة ضمن برنامج تكافل وكرامة تساعد نسبة صغيرة من الفقراء، وبشكل محدود، بقيمة تتراوح ما بين 620 و740 جنيها للأسرة شهريا. 

وتوكد الدراسة، أن تلك المساعدات لا توفر الحد الأدنى الذي يحدده "خط الفقر المدقع" المعلن منذ 5 سنوات، عند 550 جنيها للفرد شهريا، بينما يجب رفعه إلى 2200 جنيه وفقا للأسعار الحالية.

وتشير الدراسة إلى أن الزيادات في أسعار الطعام والشراب التي ارتفعت بنسبة 73.6% في سبتمبر 2023، مقارنة بنفس الفترة من 2022، تستدعي زيادة مخصصات "تكافل وكرامة" للحد من انتشار الفقر المدقع، مع علاج المشاكل المتعلقة باستهداف الفئات المستحقة. 

تظهر الدراسة وجود 9.4 ملايين أسرة تحت خط الفقر في حاجة ماسة إلى استمرار الدعم عبر نظام "تكافل وكرامة"، بالتوازي مع استمرار دعم الخبز، باعتباره مصدر أمان اجتماعي، بعد ثبوت فشل الدعم النقدي في رفع مستوى المعيشة المستهدفة أو تحسين شبكة الأمان الاجتماعي، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. 

المساس بمسألة الدعم… في العجلة الندامة:

يطالب الخبراء بعدم استعجال الحكومة في إلغاء الدعم السلعي، لوقف توسيع دائرة المحرومين، مقابل برامج إعانات نقدية محدودة لا تعالج الأزمة بشكل هيكلي، والبحث عن إمكانية تنفيذ الدخل الأساسي الشامل كمنظومة دعم بتقديم معونات شهرية إلى كل المواطنين، وإصلاح نظام الضرائب لضمان مساهمة أكبر من الشرائح الأكثر دخلا، من أجل تمويل الدخل الأساسي الشامل.

بينما يشير الخبير الاقتصادي في كتلة التيار الحر "تامر سحاب"، إلى أن توجه الحكومة إلى تغيير نظام الدعم إلى نقدي هو أحد مطالب صندوق النقد الذي ألزمها بها، مقابل قرض الإصلاح الهيكلي الأخير، بقيمة 8 مليارات دولار.

إذ يؤيد "سحاب" التحول من الدعم العيني إلى نقدي، بشرط أن تجري دراسات جادة وأمينة ليستفيد منها من يستحق، دون أن تتم بطريقة عنيفة وغير مدروسة، بينما يمر الناس بظروف اقتصادية صعبة للغاية. 

وفي سياقٍ متصل، يحمّل عضو مجلس النواب السابق "عبد الحميد كمال" الحكومة مسؤولية فشل منظومة الدعم، مشيرا إلى انصياعها المستمر لتعليمات صندوق النقد، بما أدى إلى خفض وزن رغيف الخبز، وقصر الدعم التمويني على 50 جنيها للفرد، مع تقليل عدد المستفيدين، وتراجع عدد السلع الاختيارية من 18 إلى 4 أصناف.

وينوه "كمال" إلى رفع الحكومة أسعار الخدمات الحكومية، التي تشمل الأوراق الثبوتية المهمة لكل فرد، مع خفض الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، فأصبحت تدير الدولة بمنطق رئيس الشركة، وليس حكومة تسعى للحفاظ على العدالة الاجتماعية وتوفير لقمة العيش للبسطاء، وتحمي الطبقة الوسطى من الانهيار.

حيث يبدي عضو تيار 25-30 في البرلمان السابق، غضبه من رغبة الحكومة في الإسراع نحو الدعم النقدي، قائلا لصحيفة "العربي الجديد": "ستواجه البلاد كارثة اجتماعية إذا ألغت الدعم العيني، لأن المقابل النقدي لن يكون كافيا لمواجهة الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات، بما يزيد من نسبة الفقراء التي تبلغ حاليا 39% لتصبح 45% من تعداد السكان".

ويذكر بأن غياب الثقة وحجب صوت الشعب والإعلام متعدد الأصوات، واستبعاد رأي الخبراء الاقتصاديين الذين وضعت أفكارهم في الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي على مدار العامين الماضيين، يزيد الهوة بين حكومة نراها فشلت في أداء مهمتها وتريد الآن أن تقيم مشروعا بدون قدرتها على إدارة حوار مجتمعي حقيقي حوله، أو مواجهة محتكري السلع في الأسواق. 

ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ- الغرفة الثانية للبرلمان- هاني سري الدين، في بيان بعنوان "منظومة الدعم والعدالة المفترضة"، أن فاتورة الدعم غير قابلة للإلغاء، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمع مثل مصر من دون دعم محدودي الدخل".

شارك رأيك بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *